بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
*حول استشهاد فاطمة الزهراء (عليها السلام):
1- أول ما يلاحظ الباحث في القرآن والسنّة اختصاص الزهراء فاطمة(عليها السلام) من بين اخواتها بالفضل والرعاية وتميزها عنهن، ففاطمة سيدة نساء أهل الجنة (البخاري)، وهي المشمولة بآية التطهير، وهي التي حسمت السماء أمر زواجها، وهي التي اختصت برعاية رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتى (كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا سافر، آخر عهده اتيان فاطمة، وأوّل من يدخل عليه إذا قدم ـ فاطمة) (مسند أحمد)، في كل هذه الاحاديث والمواقف وغيرها .. كانت فاطمة(عليها السلام) تتميز عن باقي اخواتها، مما يكشف عن سرٍّ عظيم كامن في شخصيتها ومقامها(عليها السلام).
2- اتسمت حياة الزهراء(عليها السلام) بالبساطة والقناعة، فلم تستثمر مكانتها من ابيها لتحرجه بمستلزمات الترف والنعيم، بل نجدها على العكس من ذلك قد ضربت ـ مع باقي أفراد اسرتها- الأمثلة الرائعة في التضحية والايثار قربة واخلاصاً لله تعالى، وكانت آيات سورة الدهر شاهداً خالداً على ايثارها (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شُكوراً).
3- عرفت الزهراء(عليها السلام) بعطفها وحنّوها على اخوة الايمان حتى انعكس ذلك على عبادتها ودعائها لربها، ففي الحديث عن الامام الحسن(عليه السلام): (رأيت أُمي فاطمة(عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعة فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أُمّاه لِم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يابني الجار ثم الدار).(كشف الغمة إلى معرفة الائمة 2 / 94).
4- لم تتوانَ الزهراء(عليها السلام)- رغم صغر سنها وكونها ابنة الرسول وزعيم المسلمين وقائدهم- من مشاركة باقي المسلمات في دعم المسلمين في المحن والمصاعب التي واجهوها، فقد روى الواقدي-في حديثه عن رجوع النبي(صلى الله عليه وآله) والمسلمين من معركة اُحُد-: (وكنّ جئن اربع عشرة امرأة، منهن فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يحملن الطعام والشراب على ظهورهن ويسقين الجرحى ويداوينهم)، (المغازي 1 / 249).
5- لم يكن مقام الزهراء ولا التزاماتها الاسلامية العامة تمنعها من اداء دورها في بيتها كزوجة بارّة واُمّ مثالية فلم تغفل حقّ زوجها ولم تتطاول عليه بل كانت مثال الزوجة الصالحة في الاخلاص لزوجها واُنسه وتخفيف معاناته خارج البيت حتى ورد الحديث عن الامام علي(عليه السلام) انه قال: (فوالله ما أغضبتُها ولا اكرهتُها على أمر حتى قبضها الله عزّوجلّ، ولا اغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنتُ أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان)، وفي هذه المواقف الفاطمية درس للمرأة المسلمة في ضرورة العناية ببيتها واسرتها مهما كانت التزاماتها خارج البيت.
6- إن من مفارقات الدهر التي تعبّر عن مأساة المسلمين أن تواجه البضعة الطاهرة بأنواع المآسي والمحن عقيب رحيل الرسول(صلى الله عليه وآله) أمام اعينهم وخذلانهم ونكوصهم، فمِن غصبِ حقها في فدك .. مروراً بمنعها من البكاء على أبيها والتهديد باحراق دارها .. وانتهاءً باحداث الهجوم على الدار وكسر ضلعها واسقاط جنينها وغير ذلك مما حفلت به المصادر التاريخية، فقد روى ابن عبد ربه .. (فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث اليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له: ان أبَوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة)، (العقد الفريد 4 / 259)، إلى غير ذلك من المآسي التي اندثرت أكثر أخبارها كما هي الحالة في ممارسات كل الطغاة. ويكفي دلالة على مدى الآلام والمظالم التي واجهتها فاطمة(عليها السلام) مارواه ابن حجر العسقلاني ان الرسول(صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة(عليها السلام): (ان جبرئيل أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم رزية منك فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبراً)، (فتح الباري 8 / 111).
7- لم تقتصر مواقف الزهراء المبدئية على حياتها، بل سجلت في وصيّتها الخالدة حجة دامغة ودليلاً يهتف بظلامتها تعيشه الأجيال على مرّ العصور، فقد روى البلاذري عن عروة بن الزبير (أن علياً دفن فاطمة ليلاً وغسّلها علي وأسماء وبذلك أوصت ولم يعلم أبو بكر وعمر بموتها)، (انساب الاشراف 1 / 405)، ومن بين قبور الصحابة وزوجات الرسول بقي موضع قبرها مجهولاً إلى يومنا هذا، ليكون صرخة تهز الضمائر المسلمة الحية، ولتؤكد غضبها وسخطها على القوم، وهي التي قال عنها الرسول(صلى الله عليه وآله): (انما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها)، (البخاري).
8- كانت الزهراء- في أوج ظلامتها- تنبىء عن مستقبل الامة القاتم بعد أن أهملت وصية نبيها فقالت مخاطبة نساء المهاجرين والانصار: (ويحهم (أفمن يهدي إلى الحق أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى فمالكم كيف تحكمون)، أما لعمري لقد لقحت فنظرةً ريثما تنتج ثم احتلبوا ملأ القعب دماً عبيطاً وذعافاً- أي سما- مبيداً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غِبّ- عاقبة-ما أسّس الأوّلون، ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً واطمئنّوا للفتنة جأشاً وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدعُ فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فياحسرةً لكم، وأنى بكم، وقد عمّيت عليكم (أَنُلزِمكموها وأَنتم لها كارهون)).
لذلك فالنوالي أهل البيت (عليهم السلام)ونتمسك بحبلهم رغم ركام الفتن والآلام فلا نخسربإذنه تعالى....
قال(صلى الله عليه وآله):
(انما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى).
نسألكم الدعاء