فداء الزهراء المدير العام
الجنسية : لبنان الموقع : عند اقدام مولاتي عدد المساهمات : 87 نقاط العضو : 197 تاريخ التسجيل : 30/10/2009
| موضوع: رسالتي لأمي الجمعة فبراير 18, 2011 1:09 am | |
|
بسمِ الله الرحمن الرحيم ذِكْرُ المَوْت يا أمِّي مُوجِعٌ تَمَاماً .. لَوْنهُ كالخَرِيف , حيثُ تذبَلُ الأورَاقُ وتتهَاوَىَ لتسْقُطَ على الأرْصِفَةِ والمَمَرَّات , ولا تُرَىَ بَعْدَ ذلِكَ إلاّ ذُرَىَ وهباءَ سُحِقَ بأقْدَامِ المارِّين .. الحياةُ مَعْبَرٌ .. ولا نستَطِيعُ العبُور إلاّ إذا لقِينا فيها كُلّ ما نلقَى وَواجَهْنا كُلّ هذِهِ الصِعاب التّي لا تُذلّلُ إلاّ بالإرتِباطِ بِالسَمَاءِ , فأولَىَ لحظاتنا بُكاءٌ .. وآخِرهُ ارتِحالٌ للسَمَاء , لو تأمّلنا قليلاً لحظة العبُورِ هذِهِ من صرخة الولادَةِ وحتّى شهقَة المَوْت لوجَدْنا بأنّها لحظة قصِيرة وسَتَنْتَهِي .. مَهْما طَالت , تظَلُّ قَصِيرَة ! .. ومَهْما امتدَّت سيكُونُ لها نِهايَة .. في مكانٍ ما , ذاتَ لَحْظَةٍ ما .. ! ولَو أنّنا فكرنا في القادِمِ الَّذِي لا ينتَهِي .. لعمِلْنا جاهِدِين للمُضِيّ في هذا المعبَر للمآلِ الأخِير .. والمثوَىَ الَّذِي فيهِ الخلُود والبَقَاءُ الأبدِيّ .. أوتَعْلَمِينَ يا أمِّي .. كم هُوَ ذِكْرُ الموتِ مُوجِع .. فما هُوَ أكبَرُ من خوفِ الفقدِ وأفُولِ الأحبّة , واحتِضان الأرض لأجسادِهِم , هُوَ ارتِحال الرُوح .. رُوحِي أنا ! سينتَهِي العمَل .. ستَنتَهِي الفُرصَة , بعدها سيكُونُ الحِسَاب , لا أدرِي يا أمّي فكرتُ كثِيراً في الموتِ , كيفَ سيخطِفُنِي هكذا ليُودِي بي لقبْرٍ ضيِّقٍ ” لم أمَهْدْهُ لِرَقْدَتِي ” .. ستكُونُ لحظَات الحِسَاب صَعْبَة جِدَّاً ! .. لَطَالمَا نَظَرْتُ للمَوْتِ بِعَيْنِ الارتِيَاح , لطالمَا شعرتُ بأنّهُ انتِهاءٌ من كُلّ هذِهِ الصُعُوبات , والظُلمِ والظلام , ولكنّي أدركتُ أنّي كُنتُ أنظرُ من زاويَة ضيِّقَة جِداً ..! فها أنا ذا الآن أنظرُ اليوم للمَوْتِ بِعَيْنِ الارتِياب .. وأشعُرُ بأنّهُ نهايةُ المعبَر وبدايةٌ لحياةٍ أُخرَىَ .. حياةٌ للرُوح بعيداً عن ماديَّة الجسَد .. فإما هُو عذابٌ لها وإمَا هُو راحةٌ وجنّة .. وينبغِي أن آخُذ من هذا المَعْبَرِ زاداً لِمُستَقَرِّي ! وما هذِهِ الصعُوبات ما إلاّ جمرٌ لا بُدّ مِن أن يُحرِقَ أصابِعَ المارِّين .. فما مِن طَرِيقٍ آخَر للعبُور.. إلاَّ الحَيَاة .. بِكُلِّ ما فِي الحيَاة ! حُبّكِ طريقٌ من طُرُقِ حُبّ الآل .. وحُبّهُم حُبّ الله , وحُبّ الله زادِي لممرِي , ومُتَكَئِي إذا أرهقت .. وقُوّتِي إذا ضَعَفْت .. وسِراجٌ إذا أظلَمَتِ الحياة .. وملجَئِي إذا غُلّقَتِ الأبواب .! اعذُرِينِي .. لطُولِ الحدِيث , ولكنّهُ حدِيثٌ يملأ عقْلِي وقَلْبِي معاً ! دُلِّينِي يا أمِّي .. ! فَالمَوْتُ فِي أرْوِقَةِ الفُؤادِ يُحاصِرُنِي , صَحْرَاءُ المَوْتِ قاحِلَةٌ وأنا عُطشَىَ ! وسِقَاءُ الدَهْرِ لا يَرْوِي .. دُلِينِي على نَبْعٍ أطْهَرُ من ماءِ الدُنيَا , إن جفَّ المَاءُ بِأورِدَتِي سَقَانِي ! نبعٌ أنقَىَ .. نبعٌ أصْفَىَ .. نبعٌ لا ينضبُ ماؤه , نبعٌ أُسقَىَ منهُ فأرْوَىَ أبدَ الدَهْرِ .. صَوْتٌ أُلقِيَ في نفْسِي .. يا ابنَتِي : حُبّ الآلِ ذاكَ النبعُ سِقاءٌ .. بماءِ النبْعِ قلبِي روَىَ .. فما ذوَىَ ! بُكاءُ الزَهْرَاءِ .. أرْهَقَ الرُوحَ والجَسَدَ معَاً .. أرهَقَنِي كثِيراً , شعرتُ بالضَعْف كما لم أشعُر من قَبْل , أشعُرُ يا أمّي كأنّ شيئاً في داخِلِي يتهاوَىَ صرِيعاً .. شيئاً فِيّ كأنّما يكبُرُ حيّزَ الجسَد , كأنّ الجسَدَ يضيقُ به ! | |
|