فداء الزهراء المدير العام
الجنسية : لبنان الموقع : عند اقدام مولاتي عدد المساهمات : 87 نقاط العضو : 197 تاريخ التسجيل : 30/10/2009
| موضوع: انواع البلاء الثلاثاء فبراير 15, 2011 9:04 pm | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
قال تعالى :
( قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (43) .
فطرية الدعاء
الآيات وإن كانت خاطبت المشركين وتتحدث عن التوحيد ولكنها تحتج عليهم ما ذا تقولون لو داهمتكم مصيبة أو أتتكم الساعة بغتة فهل تتوجهون إلى غير الله ؟
وهذا غير ممكن فإن كل من تحدق به الحوادث والخطر لا يمكن أن يتوجه إلا لله سبحانه وحتى إذا نسي كل شيء إلا أنه لا ينسى الحقيقة
في داخل قلبه وهو الإيمان بالله وحتى المشركين ينسون أصنامهم وآلهتهم ولكنهم لا ينسون الله
( بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ) .
وأما ما ذكرته الآية الأولى من عذاب الله ؛ فقد يشمل مختلف الأخطار والمصائب والويلات التي تحل بالإنسان في مقام الانتقام .
وأما الساعة المذكورة في الآية فقد تكون قيام الساعة أي يوم القيامة وقد تكون كناية وتعبيراً مجازياً عن الحوادث المخيفة والمروعة كالزلازل والعواصف والصواعق ،
وقد يراد بها المصيبة التي تضع الإنسان على حافة الهلاك ، كل ذلك يؤدي به إلى التوجه إلى الله والدعاء وهذه حالة فطرية وغريزية مؤمناً بالله أو كافراً به وهذا ما دلت عليه جملة من الآيات القرآنية قال السيد الطبطبائي بعد شرح معنى الدعاء :
وبه يظهر معاني سائر الآيات النازلة في هذا الباب كقوله تعالى :
" قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ "،
وقوله تعالى : " قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)" ،
وقوله تعالى : ( قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ) الأنعام .
فالآيات دالة على أن للإنسان دعاء غريزيا وسؤالا فطريا يسأل به ربه ، غير انه إذا كان في رخاء ورفاه تعلقت نفسه بالأسباب فأشركها لربه ،
فالتبس عليه الأمر وزعم أنه لا يدعو ربه ولا يسأل عنه ، مع انه لا يسأل غيره فإنه على الفطرة ولا تبديل لخلق الله تعالى ،
ولما وقع الشدة وطارت الأسباب عن تأثيرها وفقدت الشركاء والشفعاء تبين له أن لا منجح لحاجته ولا مجيب لمسألته إلا الله ، فعاد إلى توحيده الفطري ونسي كل سبب من الأسباب ،
ووجه وجهه نحو الرب الكريم فكشف شدته وقضى حاجته أظله بالرخاء ، ثم إذا تلبس به ثانيا عاد إلى ما كان عليه أولا من الشرك والنسيان .
الابتلاء والامتحان على قسمين وذلك لاختلاف حال الشخص :
1- الابتلاء انتقام :
قد يكون الابتلاء انتقاماً ينتقم به المولى ممن تخلى عن وظيفته التي تخلى عنها وتعداها إلى الظلم والعدوان على الآخرين فمن عدل المولى سبحانه أن ينتقم من الظالم
وأخذ حق المظلوم من ظالمه سواء كان عاجلا أم آجلا ، إن بعض الذنوب قد تعجل عقوبته كالظلم للآخرين وعقوق الوالدين وغيرهما وقد دلت على ذلك الآيات والروايات الصريحة منها :
ما جاء في الصحيح عَنْ عَبَّادِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ : ( يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا عَصَانِي مَنْ عَرَفَنِي سَلَّطْتُ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِفُنِي ) .
ومنها : ما عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ هِلَالٍ الشَّامِيِّ مَوْلًى لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (ع) قَالَ : سَمِعْتُ الرِّضَا (ع) يَقُولُ :
( كُلَّمَا أَحْدَثَ الْعِبَادُ مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْمَلُونَ أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ ) .
وكم يشاهد الإنسان أمام عينيه بعض الظلمة الذين عاثوا في الأرض فساداً انتقم الله منهم وأذلهم وأخزاهم في الدنيا قبل الآخرة ، كما فعل بالأمم السابقة .
2- الابتلاء رحمة وإعلاء للدرجات :
القسم الآخر من الابتلاء إنما يكون لأجل الاختبار وإعلاء الدرجات وتقوية الإيمان ؛ فإن الإنسان مهما كان مؤمناً ومطيعا لله فإنه يوجد لديه فراغ ومجال للتكامل
والتقرب إلى الله أكثر فأكثر ، إن من أهم العوامل للتكامل الروحي هو الابتلاء والاختبار فإن الإنسان مهما كان غافلا عن الله والتوجه إليه فإنه عندما تحل به المصائب والمحن
سوف يفيق من غفلته ويلتجئ إلى الله ويدعوه في النجاة والخلاص مما هو فيه بل نفس المحن والابتلاء هي في حد ذاتها تصفية وتطهير عن البعد عن الله
وعن ما يحمله المذنب من نجاسات وقذارات الذنوب .
قال العلامة المجلسي : والبلاء ما يختبر وما يمتحن من خير او شر وأكثر ما يأتي ؛ مايأتي مطلقاً الشر وأريد به الخير يأتي مقيداً كما قال تعالى: ( بَلاء حَسَناً )[7] . وأصله المحنة والله تعالى يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ، وبما يكره ليمتحن صبره ، يقال :
بلاه الله بخير أو شر يبلوه بلواً وأبلاه وإبلاء وابتلاه ابتلاء ، بمعنى امتحنه والاسم البلاء مثل سلام ، والبلوى والبلية مثله [8] .
لذلك أكدت الروايات أن المؤمن كلما ازداد إيماناً ازداد ابتلاء وامتحاناً ، وأن الله يتعاهد عبده المؤمن بالابتلاء كما يتعاهد رب البيت أهله بالفاكهة والطعام والشراب ،
وأن الامتحان والابتلاء للمؤمن هو إعلاء لدرجاته و كلما ازدادت محبة الله لعبده ازداد ابتلاؤه إليه وقد تضافرت الروايات على ذلك .
استحباب الدعاء عند نزول البلاء
جاء في الصحيح عَنْ أَبِي وَلَّادٍ قَالَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام :
( مَا مِنْ بَلَاءٍ يَنْزِلُ عَلَى عَبْدٍ مُؤْمِنٍ فَيُلْهِمُهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الدُّعَاءَ إِلَّا كَانَ كَشْفُ ذَلِكَ الْبَلَاءِ وَشِيكاً وَ مَا مِنْ بَلَاءٍ يَنْزِلُ عَلَى عَبْدٍ مُؤْمِنٍ فَيُمْسِكُ عَنِ الدُّعَاءِ إِلَّا كَانَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ طَوِيلًا فَإِذَا نَزَلَ الْبَلَاءُ فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ وَ التَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ )
وفي الصحيح عَنْ أَبِي وَلَّادٍ قَالَ : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام :
( علَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّ الدُّعَاءَ لِلَّهِ وَ الطَّلَبَ إِلَى اللَّهِ يَرُدُّ الْبَلَاءَ وَ قَدْ قُدِّرَ وَ قُضِيَ وَ لَمْ يَبْقَ إِلَّا إِمْضَاؤُهُ فَإِذَا دُعِيَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ سُئِلَ ، صُرِفَ الْبَلَاءُ صَرْفَةً ) .
إلى اللَّهِ الْمَفْزَعُ
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) :
( الدُّعَاءُ مَفَاتِيحُ النَّجَاحِ وَ مَقَالِيدُ الْفَلَاحِ وَ خَيْرُ الدُّعَاءِ مَا صَدَرَ عَنْ صَدْرٍ نَقِيٍّ وَ قَلْبٍ تَقِيٍّ وَ فِي الْمُنَاجَاةِ سَبَبُ النَّجَاةِ وَ بِالْإِخْلَاصِ يَكُونُ الْخَلَاصُ فَإِذَا اشْتَدَّ الْفَزَعُ فَإِلَى اللَّهِ الْمَفْزَعُ )
الابتلاء تربية روحية
جاء في الصحيح عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ :
( الْمُؤْمِنُ لَا يَمْضِي عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً إِلَّا عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ يَحْزُنُهُ يُذَكَّرُ بِهِ ) .
فالمؤمن إذا غفل عن الله سبحانه عرض له ما يحزنه حتى يذكره بذنوبه ويرجعه إلى التوبة لقوله عز وجل :
( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) والذي يتمكن على رفع البلاء هو الله القادر على كل شيء .
الابتلاء على قدر الإيمان
جاء في الصحيح عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ : ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) الْبَلَاءُ وَ مَا يَخُصُّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ الْمُؤْمِنَ فَقَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله :
(مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً فِي الدُّنْيَا فَقَالَ النَّبِيُّونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَ يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ بَعْدُ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ وَ حُسْنِ أَعْمَالِهِ فَمَنْ صَحَّ إِيمَانُهُ وَ حَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَ مَنْ سَخُفَ إِيمَانُهُ وَ ضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلَاؤُهُ ) .
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بُهْلُولِ بْنِ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ بِمَنْزِلَةِ كِفَّةِ الْمِيزَانِ كُلَّمَا زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ فِي بَلَائِهِ ) .
كثير من الناس لا يلحظ هذه الحقيقة فقد يكون مؤمناً وكلما ازداد إيماناً ازداد ابتلاء وهو لا يعلم ولو كان يعرف ذلك لخف عليه البلاء وزاد صبره .
الابتلاء على قدرالتدين
عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ : ( إِنَّمَا يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا عَلَى قَدْرِ دِينِهِ أَوْ قَالَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ) .
الحمد عند البلاء
جاء في الصحيح عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ :
( إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَبِأَفْضَلِ مَكَانٍ - ثَلَاثاً - إِنَّهُ لَيَبْتَلِيهِ بِالْبَلَاءِ ثُمَّ يَنْزِعُ نَفْسَهُ عُضْواً عُضْواً مِنْ جَسَدِهِ وَ هُوَ يَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ )
أي أفضل نسبة وقد كرر الإمام هذا ثلاث مرات . وينزع نفسه في حال خروج روحه .
الأنبياء أشد الناس بلاء
جاء في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثمّ الذين يلونهم ، ثم الأمثل فالأمثل ) .
و في الصحيح عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ : ( أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَوْصِيَاءُ ثُمَّ الْأَمَاثِلُ فَالْأَمَاثِلُ ) .
وفي الصحيح عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ :
( إِنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (ع) أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً النَّبِيُّونَ ثُمَّ الْوَصِيُّونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَ إِنَّمَا يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ فَمَنْ صَحَّ دِينُهُ وَ حَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَجْعَلِ الدُّنْيَا ثَوَاباً لِمُؤْمِنٍ وَ لَا عُقُوبَةً لِكَافِرٍ وَ مَنْ سَخُفَ دِينُهُ وَ ضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلَاؤُهُ وَ أَنَّ الْبَلَاءَ أَسْرَعُ إِلَى الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ مِنَ الْمَطَرِ إِلَى قَرَارِ الْأَرْضِ )
لنيل الدرجات
جاء عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَا يَبْلُغُهَا عَبْدٌ إِلَّا بِالِابْتِلَاءِ فِي جَسَدِهِ ) .
فالدرجات في الجنة متفاوتة فبعضها لا تنال إلا بالشهادة في سبيل الله وبعضها لا تنال إلا بالابتلاء فيمن الله بها على من أحب حتى يصل إليها كما ورد
عَنْ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَيَتَعَاهَدُ الْمُؤْمِنَ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَتَعَاهَدُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ بِالْهَدِيَّةِ مِنَ الْغَيْبَةِ وَ يَحْمِيهِ الدُّنْيَا كَمَا يَحْمِي الطَّبِيبُ الْمَرِيضَ ) .
في الصحيح عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ : ( إِنَّهُ لَيَكُونُ لِلْعَبْدِ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ اللَّهِ فَمَا يَنَالُهَا إِلَّا بِإِحْدَى خَصْلَتَيْنِ إِمَّا بِذَهَابِ مَالِهِ أَوْ بِبَلِيَّةٍ فِي جَسَدِهِ ) .
التناسب بين عظيم البلاء وكثرة الثواب
الثواب لا بد أن يتناسب مع حجم الابتلاء فقد جاء عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ : ( إِنَّ عَظِيمَ الْأَجْرِ لَمَعَ عَظِيمِ الْبَلَاءِ وَ مَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْماً إِلَّا ابْتَلَاهُمْ ) .
هل نستسلم إذن ؟
والسؤال الذي يطرح نفسه على هذه المعطيات هل نستسلم للبلاء أم لا ؟
الجواب : الأمر ليس كذلك بل يجب على الإنسان أن يقوم بواجبه من التصدي لما يجري عليه وعلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ويستعمل ما بإمكانه من وسائل
طبيعية وغير طبيعية ليدفع عن نفسه وعن دينه وعن بلاده وعن عرضه بكل ما أوتي من قوة وطاقة و بكل وسيلة ويأخذ الحيطة والحذر .
ومن أهم الأمور التي يجب أن يستعمله هو الدعاء والتوجه إلى الله والآن لننظر إلى تأثير الدعاء في رفع البلاء .
إنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ الْبَلَاءَ وَ الْقَضَاءَ
أهمية الدعاء في رفع البلاء مما لا يخفى على أحد فقد جاء في الصحيح : عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : إِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ يَنْقُضُهُ كَمَا يُنْقَضُ السِّلْكُ وَ قَدْ أُبْرِمَ إِبْرَاماً .
وفي الصحيح أيضاً عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ (ع) يَقُولُ :
( إِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ مَا قَدْ قُدِّرَ وَ مَا لَمْ يُقَدَّرْ قُلْتُ وَ مَا قَدْ قُدِّرَ عَرَفْتُهُ فَمَا لَمْ يُقَدَّرْ قَالَ حَتَّى لَا يَكُونَ ) .
وفي الصحيح عَنْ بِسْطَامَ الزَّيَّاتِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ : ( إِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ وَ قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَ قَدْ أُبْرِمَ إِبْرَاماً ) .
وجاء في الصحيح عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ : قَالَ لِي :
( أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَسْتَثْنِ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ (ص) قُلْتُ بَلَى . قَالَ : الدُّعَاءُ يَرُدُّ الْقَضَاءَ وَ قَدْ أُبْرِمَ إِبْرَاماً وَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ )
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ الدُّعَاءُ يَرُدُّ الْقَضَاءَ بَعْدَ مَا أُبْرِمَ إِبْرَاماً فَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ مِفْتَاحُ كُلِّ رَحْمَةٍ وَ نَجَاحُ كُلِّ حَاجَةٍ وَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا بِالدُّعَاءِ وَ إِنَّهُ لَيْسَ بَابٌ يُكْثَرُ قَرْعُهُ إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لِصَاحِبِهِ ) .
وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) :
( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَيَدْفَعُ بِالدُّعَاءِ الْأَمْرَ الَّذِي عَلِمَهُ أَنْ يُدْعَى لَهُ فَيَسْتَجِيبُ وَ لَوْ لَا مَا وُفِّقَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ الدُّعَاءِ لَأَصَابَهُ مِنْهُ مَا يَجُثُّهُ مِنْ جَدِيدِ الْأَرْضِ ) .
عدم الابتلاء
عدم الابتلاء للإنسان وسلامته من النوائب والمحن لا يدل بالضرورة على محبوبيته وعلو منزلته عند الله وأن سلوكه مقبول عند الله
بل لعل العكس هو الصحيح كما دلت عليه الأخبار المتعددة .
فقد جاء في الصحيح عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ :( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) : لَا حَاجَةَ لِلَّهِ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ فِي مَالِهِ وَ بَدَنِهِ نَصِيبٌ ) .
وفي الصحيح الآخرعَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ :
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ( لَوْ لَا أَنْ يَجِدَ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنُ فِي قَلْبِهِ لَعَصَّبْتُ رَأْسَ الْكَافِرِ بِعِصَابَةِ حَدِيدٍ لَا يُصَدَّعُ رَأْسُهُ أَبَداً ) .
وعَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمُسْتَرِقِّ رَفَعَهُ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) :
دُعِيَ النَّبِيُّ (ص) إِلَى طَعَامٍ فَلَمَّا دَخَلَ مَنْزِلَ الرَّجُلِ نَظَرَ إِلَى دَجَاجَةٍ فَوْقَ حَائِطٍ قَدْ بَاضَتْ فَتَقَعُ الْبَيْضَةُ عَلَى وَتِدٍ فِي حَائِطٍ فَثَبَتَتْ عَلَيْهِ وَ لَمْ تَسْقُطْ
وَ لَمْ تَنْكَسِرْ فَتَعَجَّبَ النَّبِيُّ ص مِنْهَا فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ أَعَجِبْتَ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَةِ فَوَ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رُزِئْتُ شَيْئاً قَطُّ قَالَ فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ لَمْ يَأْكُلْ
مِنْ طَعَامِهِ شَيْئاً وَ قَالَ مَنْ لَمْ يُرْزَأْ فَمَا لِلَّهِ فِيهِ مِنْ حَاجَةٍ ) .
والحمد لله رب العالمين
| |
|