فداء الزهراء المدير العام
الجنسية : لبنان الموقع : عند اقدام مولاتي عدد المساهمات : 87 نقاط العضو : 197 تاريخ التسجيل : 30/10/2009
| موضوع: زیارة القبور علی ضوء الكتاب و السنّة الثلاثاء فبراير 15, 2011 2:03 am | |
|
زیارة القبور علی ضوء الكتاب و السنّة
لقد دفتی علماء الإسلام و فقهاء الشریعة بجواز زیارة القبور ـ و خاصّة قبور الأنبیاء و الصالحین ـ استناداً إلی مجموعة من الآیات الكریمة و الأحادیث الشریفة، و بالإضافة إلی الجواز فإنهم أفتوا باستحبابها و فضیلتها. أمّا الوهابیّون فإنّهم ـ كما یبدو ـ لا یحرّمون أصل الزیارة ، بل یحرّمون السفر و شدّ الرحال إلی زیارة قبور الصالحین. فالبحث هنا في مرحلتین: 1. الزیارة 2. السفر للزیارة
زیارة القبور
ممّا لا شك فیه أنّ زیارة القبور تنطوي علی آثار أخلاقیة و تربویة هامّة، نشیر إلیهاـ مختصراً ـ فیما یلي: إنّ مشاهدة هذا الوادي الهادیء الّذي یضمّ في أعماقه مجموعة كبیرة من الذین عاشوا في هذه الحیاة الدنیا ثمّ انتقلوا إلی الآخرة ، و هم سواء ... الغني و الفقیر ، القوي و الضعیف ، و لم یصحبوا معهم سوی ثلاث قِطَع من القماش فقط. إنّ مشاهدة هذا المنظر یهزّ الإنسان قلباً و روحاً ، ویخفّف فیه روح الطمع و الحرص علی الدنیا و زخارفها و شهواتها، ولو نظر الإنسان إلیها بعین الإعتبار لغیّر سلوكه في هذه الحیاة ، و اعتبر لآخرته ، و راح یخاطب نفسه: إنّ هذه الحیاة المؤقتة لابدّ أن تزول ، و إنّ الفترة الّتي أعیشها لابدّ أن تنتهي و یكون مصیري إلی حفرة عمیقة ، تتراكم عليّ تلال من التراب و هناك الحساب ، إمّا ثواب و إمّا عذاب ، فلا تستحقّ هذه الحیاة المؤقتة أن یجهد الإنسان نفسه من أجل المال و الجاه و المنصب ، فیظلم هذا و یؤذي ذلك ، و یرتكب الجرائم و المنكرات. إنّ نظرة تأمّ ل إلی هذا الوادي الساكن ترقّق القلب مهما كان قاسیاً ، و تُسمع الإنسان مهما كان صُماً، و تُفتح العیون مهما كانت حالكة، و كثیراًَ ما تدفع بالإنسان إلی إعادة النظر في سلوكه و حیاته، و الشعور بالمسؤولیات الكبیرة أمام الله تعالی و أمام الناس. یقول الرسول الأعظم (ص). 1. « زوروا القُبُور فإنَّها تُذَكركمُ الآخرة» بالرغم من أنّ مسألة زیارة القبور لیست بحاجة إلی إقامة الدلیل و البرهان علی صحّتها و ضرورتها، و لكننا نضظر إلی التحدّث عنها لأولئك الذین یتوقّفون فیها.
القرآن و زیارة القبور
إنّ الله تعالی ینهی حبیبه محمّداً (ص) عن الصلاة علی جنازة المنافق و القیام علی قبره ، فیقول سبحانه: « و لا تُصَلِّ علی أحد منهم مات أبدا و لا تقم علی قبره إنهم كفروا بالله و رسوله و ماتوا و هم فاسقون» فالآیة تسعی لهدم شخصیة المنافق ، و هزّ العصا في وجوه حزبه و نظائره، و النهي عن هذین الأمرین بالنسبة للمنافق و بیان انّ هذین من خصائص المؤمنین لا للمنافقین. و الآن یجب أن ننظر في قوله تعالی:« و لا تقم علی قبره» ما معناه؟ هل المعنی هو القیام وقت الدفن فقط حیث لا یجوز ذلك للمنافق و یستحبّ للمؤمن ؟ أم المعنی أعمّ من وقت الدفن و غیره ؟ الجواب: نظر بعض المفسّرین إلی الآیة نظرة ضیّقة فقال بالقول الأوّل ، و لكنّ بعضاً آخرین ـ كالبیضاوي و غیره ـ نظروا إلیها نظرة واسعة فقالوا: إنّ النهي في « لا تقم علی قبره» هو عن الدفن و الزیارة . و التدقیق و إمعان النظر في الآیة الكریمة یسوقنا إلی هذا المعنی الأعم ، و ذلك لأنّ الآیة تتشكل من جملتین: الأولی: « لا تُصلّ علی أحد منهممات أبدا». إنّ لفظة « أحد » بحكم ورودها في سیاق النفسي تفید العموم و الاستغراق لجمیع الأفراد ، و لفظة « أبداً » تفید الاستغراق الزمني ، فیكون معناها : لا تُصلّ علی أحد من المنافقین في أيّ وقت كان. فمع الانتباه إلی هذین اللفظین نعرف ـ بوضوح ـ أنّ المراد من النهي عن الصلاة علی المیّت المنافق لیس خصوص الصلاة علی المیّت عند الدفن فقط ، لأنّها لیست قابلة للتكرار في أزمنة متعدّدة ، ولو أرید ذلك لم تكن هناك حاجة إلی لفظة « أبداً » بل المراد من الصلاة في الآیة مطلق الدعاء و الترحّم سواء أكان عند الدفن أم بعده. فإن قال قائل : إنّ لفظة « أبداً » تأكید للاستغراق الأفرادي لا الزماني. فالجواب بوجهین: 1. إنّ لفظة « أحد» أفادت الاستغراق و الشمول لجمیع المنافقین. 2. إنّ لفظة « أبداً» تُستعمل في اللغة العربیة للاستغراق الزماني، كما في قوله تعالی : « ... و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً...». فالنتیجة : أنّ المقصود هو النهي عن الترحّم علی المنافق و عن الاستغفار له ، سواء كان بالصلاة علیه أو بغیرها . سواء كان حین الدفن أم بعده . الثانیة: « لا تقُم علی قبره». إنّ مفهوم هذه الجملةـ مع الانتباه إلی أنّها معطوفة علی الجملة السابقةـ هو : لا تقم علی قبرأحدٍ منهم أبداً، لأنّ كلّ ما ثبت للمعطوف علیه من القیدـ أعني : « أبداً» ـ یثبت للمعطوف أیضاً، ففي هذه الحالة لا یمكن القول بدنّ المقصود من القیام علی القبر هو وقت الدفن ، و لفظة « أبداً» المقدّرة في هذه الجملة الثانیة تفید إمكانیة تكرار هذا العمل ، فهذا یدلّ علی أنّ القیام علی القبر لا یختصّ بوقت الدفن. بل یعمّه و غیره فهو حرام في حقّ المنافق و جائز في حقّ المؤمن. فیكون معنی الآیة الكریمة: إنّ الله تعالی ینهی نبیّه (ص) عن مطلق الاستغفار و الترحّم علی المنافق ،سواء كان عند الدفن أو بعده. و مفهوم ذلك هو أنّ هذین الأمرین یجوزان للمؤمن. و بهذا ثبت جواز زیارة قبر المؤمن و جواز الصلاة و الدعاء علی روحه، حتّی بعد مئات السنین. هذا بالنسبة إلی المرحلة الأولی و هي أصل الزیارة من وجهة نظر القرآن ، و أمّا بالنسبة إلیها من ناحیة الأحادیث فإلیك بیانها: الأحادیث الشریفة و زیارة القبور
یستفاد من الآحادیث الشریفة ـ التي رواها أصحاب الصحاح و السّنن ـ أنّ النبي (ص) نهی عن زیارة القبور نهیاً مؤقتاً لأسباب خاصّة ، ثم رفع النهي و رغّب في الزیارة. و لعلّ علّة النهي المؤقت هي أنّ الأموات كانوا مشركین و عبدة للأصنام ، و قد قطع الإسلام كلّ العلاقات مع الشرك و أهله، فنهی النبي (ص) عن زیارة الأموات . و یحتمل أن تكون العلّة شیئاً آخر ، و هو أنّ المسلمین كانوا حدیثي العهد بالإسلام ، فكانوا ینوحون علی قبور موتاهم نیاحة باطلة تُخرجهم عن نطاق الشریعة ، و لمّا تمركز الإسلام في قلوبهم و أنسوا بالشریعة و الأحكام ، ألغی النبي(ص) بأمر الله تعالی النهي عن زیارة القبور ، لما فیها من الآثار الحسنة و النتائج الطیّبة ، و لهذا روی أصحاب الصحاح و السّنن أنّه (ص) قال: 1.« كنت نهیتكم عن زیارة القبور ، فزوروها فإنها تزهّد في الدّنیا و تذكر الآخرة» و علی هذا الأساس كان 0ص) یزور قبر أمّه السیّدة آمنة بنت وهب ـ رضوان الله علیها ـ و كان یأمر الناس بزیارة القبور ، لأنّ زیارتها تُذكر الآخرة. و قد روی مسلم في صحیحه: 2. « زار النّبي قبر أمّه ، فبكی و أبكی من حوله ... و قال : استأذنت ربّي في أن أزور قبرها، فأذن لي ، فزوروا القبور القبور فإنّها تذكركم الموت» و قالت عائشة: 3. « إنّ رسول الله رخّص في زیارة القُبُور» و قالت: إنّ النبيّ (ص) قال : 4. « فأمرني ربّي أن آتي البقیع فأستغفر لهم» قلت : كیف أقول یا رسول الله؟ قال : قولي : السلام علی أهل الدّیار من المؤمنین و المسلمین ، یرحم الله المتقدمین منّا و الستأخرین ، و إنّا إن شاء الله بكم لا حقون» و یستفاد من حدیث عائشة أن النبي (ص) كان یخرج إلی البقیع في اللیل من كلّ لیلة ، و یقول : « السلام علیكم دار قوم مؤمنین ، أتاكم ما توعدون غداً مؤجَّلون ، و إنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللّهمَّ اغفر لأهل بقیع الغرقد» . و یستفاد من حدیث آخر أنّ النبيّ(ص) كان یزور المقابر مع جماعة من أصحابه ، و یعلّمهم كیفیة الزیارة : « كان رسول الله یعلّمهم ـ إذا خرجوا إلی المقابر ـ فكان قائلهم یقول: السلام علی أهل الدّیار ـ أو ـ السلام علیكم أهل الدّیار من المؤمنین و المسلمین ، و إنّا إن شاء الله لاحقون ، أسأل الله لنا و لكم العافیة ».
النساء و زیارة القبور
المسألة الأخیرة الّتي ینبغي التحدّث عنها هي زیارة النساء للقبور ، و قد روي في بعض الأحادیث أنّ رسول الله (ص) نهی عن زیارة النساء للقبور: « لعن رسول الله زوّارات القبور» و لكن یجب الانتباه إلی أنّ تحریم النساء من زیارة القبور ـ استدلالا بهذا الحدیث ـ غیر صحیح ، و ذلك لعدّة أمور: أوّلا: إنّ كثیراً من العلماء یعتبرون هذا النهي تنزیه و كراهة ، قد جاءت الكراهة لأسباب خاصّة بذلك الزمان ، یشیر إلیها صاحب كتاب « مفتاح الحاجة في شرح صحیح ابن ماجة» فیقول : « اختلفوا في الكراهة هل هي كراهة تحریم أو تنزیه ؟ ذهب الأكثر إلی الجواز إذا أمِنَت الفتنة» ثانیاً: لقد مرّ علیك ـ في حدیث عائشةـ أنّ النبيّ (ص) رخّص في زیارة القبور. فلو كان الترخیص خاصّاً بالرجال لكان اللازم أن تذكر عائشة ذلك ، و تقول أنّ الترخیص خاص بالرجال و لا یعمّ النساء و لیس في كلامها ما یدلّ علی التخصص. ثالثاً : و قد مرّ علیك أیضاً أنّ النبيّ (ص) علّم عائشة ما ینبغي قوله عند زیارة القبور ، فلو كانت الزیارة محرمة علیها فما معنی هذا التعلیم؟! كانت عائشة تزور القبور بعد رسول الله . یروي الترمذي أنّه لمّا مات عبد الرحمن بن أبي بكر ـ شقیق عائشةـ في « الجُنتی» حملوا جثمانه إلی مكة و دفنوه فیها، و لمّا جاءت عائشة إلی مكة ـ من المدینةـ خرجت لزیارة قبر أخیها و أنشدت بیتین من الشعر في رثائه. یقول شارح صحیح الترمذي ـ الحافظ ابن العربي المولود سنة 435 هـ و المتوفّی سنة 543هـ ـ : « الصحیح أنّ النبيّ (ص) سمح للرجال و النساء بزیارة القبور ، و الّذي یقول بالكراهة فإنّما هو بسبب جزعهنّ عند القبر و قلّة صبرهنّ ، أو لعدم رعایتهنّ للحجاب» . رابعاً: یروي البخاري عن أنس أنّه قال : « مرّ النبيّ (ص) بامرأة تبكي عند قبر، فقال : إتّقي الله و اصبري. قالت : إلیك عنّي فإنّك لم تُصب بمصیبتي ، و لم تعرفه. فقیل لها : إنّه النبيّ ! فأتت باب النبي... فقالت : لم أعرفك! فقال (ص) : إنّما الصبر عند الصدمة الأولی» فإذا كانت زیارة القبور محرّمة لنهاها النبيّ (ص) عن الزیارة ، و لكنّك تری أنّه أوصاها بالتقوی و الصبر عند المصیبة ، و لم ینهاها عن زیارة المقابر. خامساً: إنّ السیّدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) كانت تخرج إلی زیارة قبر عمّها حمزةـ في كلّ جمعة أو أقلّ من ذلك ـ و كانت تصلّي عند قبره و تبكي. سادساً: یقول القرطبي: « لم یلعن النبي كلّ امرأة تزور القبور ، بل لعن المرأة الّتي تزور القبور دوماً و الدلیل علی ذلك قوله(ص) : « زوّارات القبور» و كلمة « زوّار» هي صیغة المبالغة ، و تدلّ علی الكرّة و التكرار». و لعلّ العلّة في لعن « زوّارات القبور» هي أنّ الإكثار منها یؤدّي إلی ضیاع حقّ الزوج و یجرّها الی التبرّج المنهيّ عنه، و یكون مصحوباً بالبكاء بصوتٍ عال ، و لكن لو كانت الزیارة خالیة عن كلّ محذور فلا إشكال فیها أبداًً ، لأنّ تذكر الموت و الآخرة ممّا یحتاج إلیه الرجل و المرأة علی السواء. سابعاً : إنّ زیارة القبور ـ في الوقت الّذي تؤدي إلی الزهد في الدنیا و زخارفهاـ تعود بالنفع علی المیّت الراقد تحت أكوام التراب ، إذ أنّ الزیارة ـ عادة ـ تكون مقرونة بتلاوة سورة الفاتحة و إهدائها إلی روح ذلك المیّت ، و هذه الهدیّة هي أفضل ما یقدّمه الإنسان الحيّ إلی روح فقیده الغالي. یروي ابن ماجة عن النبي (ص) أنّه قال: « إقرأوا « یس » علی موتاكم». فما هو الفرق بین الرجل و المرأة ـ من هذه الجهة ـ حتّی تكون زیارة أحدهما جائزة و الأخری محرّمة ، لو لا المحذورات الخاصّة المذكورة؟!
| |
|